عن مجاهد، عن مولاه أنه حدثه: أنه كان فيمن يبني الكعبة في الجاهلية.
.
.

قال: فبنينا حتى بلغنا موضع الحجر وما يرى الحجر أحد، فإذا هو وسط حجارتنا مثل رأس الرجل، يكاد يتراءى منه وجه الرجل، فقال بطن من قريش: نحن نضعه.

وقال آخرون: نحن نضعه.

فقالوا: اجعلوا بينكم حكما.

قالوا: أول رجل يطلع من الفج.

فجاء النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: أتاكم الأمين.

فقالوا له، فوضعه في ثوب ثم دعا بطونهم فأخذوا بنواحيه معه، فوضعه هو صلى الله عليه وسلم.


أصاب الشام في ذلك العام طاعون عام شديد حصد الكثير من الناس، وسمي ذلك العام بعام عمواس من شدة ما حصل من الموت, وقد مات فيه خمسة وعشرون ألفا, وكان ممن توفي فيه أبو عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، ويزيد بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة، وغيرهم كثير، وعمواس هو اسم المكان الذي انتشر فيه الطاعون، وهو مكان قريب من الرملة في فلسطين.


هو أمين الأمة عامر بن عبد الله بن الجراح رضي الله عنه، اشتهر بكنيته, أبي عبيدة، أحد العشرة المبشرين بالجنة، شهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من السابقين إلى الإسلام، وهاجر إلى الحبشة وإلى المدينة أيضا، وكان يدعى: القوي الأمين، آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبي طلحة الأنصاري، كان من القواد الفاتحين زمن عمر، حيث عينه قائدا لجيوش الشام بعد عزل خالد بن الوليد، وكان عمر يجله كثيرا حتى قيل: إن عمر قال: لو كان أبو عبيدة حيا لاستخلفته, وقال عمر لأصحابه يوما: تمنوا.

فقال رجل أتمنى لو أن لي هذه الدار مملوءة ذهبا انفقته في سبيل الله عز وجل.

ثم قال: تمنوا.

فقال رجل: أتمنى لو أنها مملوءة لؤلؤا وزبرجدا أو جوهرا أنفقه في سبيل الله عز وجل وأتصدق به.

ثم قال: تمنوا.

فقالوا: ما ندري يا أمير المؤمنين.

فقال عمر: أتمنى لو أن هذا الدار مملوءة رجالا مثل أبي عبيدة بن الجراح.

توفي في طاعون عمواس على المشهور.


خرج نعيم بن مقرن من واج روذ في الناس إلى دستبى، فلقيه الزينبي أحد قادة الفرس بمكان يقال له: قها مسالما ومخالفا لملك الري، وقد رأى من المسلمين ما رأى، فأقبل مع نعيم والملك يومئذ بالري وهو سياوخش بن مهران، فاستمد أهل دنباوند وطبرستان وقومس وجرجان وقال الملك: قد علمتم أن هؤلاء قد حلوا بالري، وإنه لا مقام لكم، فاحتشدوا له.

فالتقوا مع المسلمين في سفح جبل الري، فاقتتلوا به، وقد دبر الزينبي حيلة مع نعيم حيث أدخل المدينة خيلا ليلا، ولم يشعر القوم بهم، وبيتهم نعيم بياتا فشغلهم عن مدينتهم، فاقتتلوا وصبروا له حتى سمعوا التكبير من ورائهم، ثم إنهم انهزموا فقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وأفاء الله على المسلمين بالري نحوا من فيء المدائن، وصالح نعيم بن مقرن الزينبي على أهل الري ومرزبه عليهم نعيم، فلم يزل شرف الري في أهل الزينبي الأكبر، ومنهم شهرام وفرخان، وسقط آل بهرام، وأخرب نعيم مدينتهم، وهي التي يقال لها: العتيقة -يعني مدينة الري- وأمر الزينبي فبنى مدينة الري الحديثة, وكتب نعيم إلى عمر بالفتح، وأرسل له الأخماس.


سار سويد بن مقرن إلى جرجان فعسكر بها ببسطام، وكتب إلى ملك جرجان، وهو زرنان صول، وكاتبه زرنان صول وصالحه على جرجان على الجزية، وكفاية حرب جرجان، وأن يعينه سويد إن غلب، فأجابه سويد إلى ذلك، وتلقاه زرنان صول قبل دخوله جرجان فدخل معه وعسكر بها حتى جبى الخراج وسمى فروجها، فسدها بترك دهستان، ورفع الجزية عمن قام بمنعها، وأخذ الخراج من سائر أهلها، وكتب بينهم وبينه كتابا.


بعد أن توفي أبو عبيدة بن الجراح بطاعون عمواس، وكان أبو عبيدة القائد العام على جيوش الشام بعد عزل خالد، فلما توفي عين عمر بن الخطاب بدلا عنه معاوية بن أبي سفيان الذي أصبح أميرا على بلاد الشام بقية خلافة عمر، ومدة خلافة عثمان.